ولد الامام عبيداللاه بن محسن السقاف ؛ وتوفي ؛ بمدينة سيؤن بحضرموت ؛ وكان شريفا نبيها ؛ عابدا زاهدا ؛ وقد تعلق تعلقا كبيرا بشيخه الامام عيدروس بن عمر الحبشى ؛ وعكف عليه بعد وفاة والده ؛ وكان يتردد إلى بلدة الغرفة ؛ حيث يقيم الامام عيدروس ؛ ماشيا على قدميه ؛ ويقول : أننا إذا كنا فى مجلسه ؛ نغيب عن الكون وأهله ؛ وكان يذهب اليه فى رمضان ماشيا ؛ ليصلى التراويح خلفه ؛ مره كل ليلتين ؛ مع بعد المسافه بين الغرفه وسيؤون ؛ إلى أن توفى الامام عيدروس بن عمر الحبشي فى سنة 1314هـ ؛ فاعتكف الامام عبيداللاه في بيته ؛ لايغادره الا لصلاة الجمعة ؛ أو لزيارة بعض أقاربه ؛ أو لما هو لازم من المهمات .
صورة من الحياة اليومية للامام عبيداللاه بن محسن السقاف
سجلها ابنه الامام عبدالرحمن بن عبيداللاه
وصف الامام عبدالرحمن بن عبيد الله السقاف الحياة اليومية لوالده فقال : ومنذ عرفته وهو يقوم من النوم انتصاف الليل فيخف إلى الطهارة ؛ ثم يصلى سنتها ؛ ثم الوتر إحدى عشر بحسن قراءة وطول قيام ؛ ثم يقرأ حصة من القرآن ثم يأخذ فى الأوراد والمناجاة .
وكثيراً ما يقول فى آخر دعائه : اللهم ارحمنا إذا عرق منا الجبين ؛ وانقطع منا الأنين ؛ وآىيس منا الطبيب ؛ وبكى علينا الحبيب ؛ اللهم ارحمنا يوم نركب على العود ؛ ونساق إلى اللحود ؛ اللهم ارحمنا إذا نسي اسمنا ؛ واندرس رسمنا ؛ وفنينا وطوي ذكرنا ؛ ولم يزرنا زائر ؛ ولم يذكرنا ذاكر ؛ اللهم ارحمنا يوم تبلى السرائر ؛ وتكشف الضمائر ؛ وتوضع الموازين ؛ وتنشر الدواوين .
وإذا جاء فصل الصيف والخريف ؛ تهجد على سطح مصلاه ؛ أو فى بطن مسيله ؛ فكأنما تأوب معه الجبال ؛ وتكاد تنقد لخشوعه ؛ الصدور ؛ وتنفطر السرائر .
ثم يصلى الصبح ويأخذ فى اذكار الصباح ؛ حتى إذا أسفر الافق ؛ نبهنى واعاد معى الصلاة ؛ وجلس يقرئنى الى ان تطلع الشمس ؛ فيصلى سنة الضحى ثمانيا ؛ وتارة يختص الاشراق بركعتين .
وقال الامام عبدالرحمن بن عبيداللاه عن والده : ثم يتناول ما تيسر من الفطور ؛ ويعود إلى مصلاه الذى بناه سنة 1300 هـ ووقف منه قطعة صغيرة للمسجد علينا ؛ وعلى ذريتنا فقط ؛ ليصح الاعتكاف فيه ؛ فيجلس للتدريس به لأناس مخصوصين ؛ وأما تلميذه الشيخ محمد بن شيخ الدثنى ؛ فقد لازمه ثلاثين سنة .
وكان يحمينى من مخالطة ابناء الزمان ؛ ومتى فرغ من درسي ؛ جاء إليه الدثنى ليقرأ عليه ؛ إلى قريب الظهر ؛ عندئذ يتناول ما تيسر من الغذاء ؛ ثم يقيل نصف ساعة أو اقل ؛ يتهيأ بعدها للظهر فريضة ونوافل .
ثم يدخل إلي أهله ؛ فتقرأ عليه الوالده ؛ فكلما انتهت من كتاب شرعت في آخر ؛ إلى أن يدخل وقت العصر ؛ فيقوم إلى مصلاه ؛ ويؤديها نافلة وفريضة بطهر مجدد ؛ ثم يشتغل بشيء من الأوراد والحزوب ؛ ثم أحضر بكتابي ؛ فأقرأ عليه درسا ؛ ثم انهض إلى اللعب مع الذين خصصهم للعب معي . حيث كان يحميني من مخالطة ابناء الزمان .
ثم يحضر الدثنى ؛ وهو مرافقه الخاص ؛ فيقرأ عليه إلى المغرب ؛ فيستأنف الطهارة ؛ ثم يؤدى المغرب بنوافلها الراتبة وغيرها ؛ ثم اقرأ عليه درسا خفيفا ؛ ويخلفني الدثنى في القراءة إلى العشاء ؛ وقد يحضر تلاميذه فى هذا الوقت وغيرهم ؛ فيكون درسهم واحدا .
ثم نؤدى صلاة العشاء ؛ ثم نصلى راتبته ؛ ويشتغل بعدها بأذكار المساء ؛ ثم يتناول العلقة من الطعام ؛ ثم يأخذ مضجعه وقد غلب عليه الخوف من الله ؛ والشوق اليه ؛ فقلما يطمئن به فراشه ؛ وهكذا دواليك .
وقد انطبعت نفسه ؛ ورسخت أعضاؤه ؛ على إتباع السنة ؛ في يقظته وانتباهه وقيامه وقعوده ومدخله ومخرجه وقضائه للحاجه ؛ إنطباعاً لا يحتاج معه إلى تكلف ؛ بل كان كثيراً ما يتضجر من النهار ؛ ولا سيما إذا كثر عليه الواردون ؛ مع أن كلامه معهم ؛ لا يخرج عن التمجيد والتحميد والتعريف والتوحيد ؛ والوعظ الذي يلين له الحديد .
وكان يتململ لما يجد من اللذة فى العباده ؛ خوفاً أن ينقطع بها المقصود ؛ ويكون حظه من العمل ؛ وكان يحكى مثل ذلك عن أبيه .
وكان آيه في عزة النفس ؛ والصدع بالحق ؛ والشدة فيه ؛ والغيرة عليه ؛ إلى بسطة كف ؛ ورحمة وشفقة وسلامة صدر ؛ وورع حاجز ؛ واحتياط تام ؛ وقناعة بما يجد من حرثه .
وطيلة حياتي معه ؛لم أسمع منه لغواً قط ؛ وكان أعيان زمانه ؛ يعرفون ذلك عنه ؛ وكانت ترتعد عنده فرائص الملوك ؛ لما يرون عليه من عزة الإيمان وشرف العلم وصولة الحق وسلطان الصدق وقوة اليقين ؛ فيأمرهم وينهاهم ولا يؤملون أن يقبل منهم شيء إلى آخر .
وكان حريصاً على تشجيع الشباب وتعليمهم ؛ فإذا بلغه عن أحدهم زيادة الاجتهاد فى العلم اوالعباده او العمل ؛ أثنى عليه في مجالسه ليتنافس الشباب فى مثل عمله .
وكان يرتب درساً أسبوعياً ؛ يتنقل فيه بين بيوت إخوانه ؛ ليحضروه مع نسائهم وأولادهم ؛ فيقرؤا عليه ما تيسر من كتب السلف ؛ ثم يعظهم ويحثهم ؛ ويشرح لهم آثار أسلافهم .
وله ديوان منظوم ؛ أكثره فى حث الشباب على التمسك بطريقة سلفهم ؛ وله مكاتبات عظيمة ؛ ووصايا نافعه ٍ؛ رحمه الله واسكنه فسيح جنانه . (انتهى ما ذكره الامام عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف عن والده باختصار )