خط الامام محسن بن علوي السقاف وخاتمه على وثيقة شرعية
وكان يطلق على نفسه في توقيعه خادم العلم محسن بن علوي بن سقاف
كان الامام محسن بن علوي السقاف ؛ قاضي البلاد ؛ ومن كبار زعماء حضرموت الدينيين والسياسيين ؛ وكان له دور هام في مجريات الاحداث في تلك الفترة ؛ كما كان له دور بارز في تأسيس الدولة الكثيرية الثالثة ؛ وهي الدولة التي اسسها السلطان غالب بن محسن الكثيري سنة 1265 ه ؛ وقد تعرض في سبيل ذلك لاخطار جسيمة ؛ ومشاق عظيمة .
وكان رحمة تامة بالضعفاء والمساكين ومن لا ناصر لهم إلا الله ؛ يعود مرضاهم ويشيع جنائزهم ؛ ويدخل عليهم السرور ؛ ويسعى في قضاء حاجاتهم ؛ وقلما يصل موضع درس الخميس بمسجد جده علي بن عبدالله السقاف .. إلا وقد زار سبعة او ثمانية من بيوت أولي الحاجات ؛ فيكشف كرباتهم ويعزيهم ؛ ويعظم نعمة الله عليهم ؛ ثم يسعى جهده فيما يقضي حاجاتهم وينفس ضيقهم .
وكان الامام محسن وصولا لأرحامه ؛ متحملا لشؤونهم واثقالهم ؛ كافلا لهم ولعائلاتهم ؛ حتى لقد زوج من اخوانه واولادهم نحوا من خمسين ؛ وما زال كافلا لهم مع الاكرام التام ؛ حتى شب اولاده فتفرقوا ؛ فكان يواسيهم بحسب قدرته ؛ ويسير الى بيوتهم ويتفقدهم في غالب الايام ؛ وربما دخل في اليوم الواحد خمسة دور لأقاربه أو اكثر ؛ وإذا ضاق باحد منهم عيشه .. تكدر كثيرا حتى يفرج الله عنه ؛ وكان يقاسي لاجلهم الصعاب ويتحمل المشاق ؛ ويقول في آخر وقته : إن قدرنا على صلتهم بشيء ؛ وإلا فلا أقل من السلام .
وكان الامام محسن بن علوي ؛ عالما ضليعا ؛ وفقيها متبحرا ؛ وخطيبا مفوها ؛ كما كان كثير العبادة ؛ فكان لا ينام من الليل إلا قليلا من أوله ؛ وإذا انتبه من نومه .. يقوم فيتوضأ ثم يصلي ركعتين خفيفتين ؛ ثم يأتي بالاذكار ثم يصلي باقي الوتر ؛ ثم يتبع ذلك بمناجاة الباري عز وجل بحضور تام وتوجه كامل ؛ ويبقى على تلك الحال إلى أن يقرب الفجر ؛ فيخرج الى المسجد ويصلي التحية ؛ ثم يستمع لقراءة القرآن ؛ ومتى امتهت النوبة الى من يحسنها .. استكثره منها ؛ وخفق قلبه ؛ واهتزت روحه ؛ حتى يكاد يلفظ نفسه . وكان رضوان الله عليه لا يطيب نفسا ؛ ولا يمتلىء أنسا إلا بمناجاة الباري عز وجل ؛ ومذاكرة العلوم .
وأما في رمضان فكان لا ينام أبدا ؛ بل يحيي الليل كله في تلاوة القرآن ومراجعة التفاسير ؛ ويحضر عنده مجموعة من التفاسير ؛ منها تفسير البيضاوي ؛ وتفسير الخطيب ؛ والبغوي ؛ والكشاف ؛ والضيائين ؛ والخازن ؛ والدر المنثور ؛ والجلالين وكان يقول : البيضاوي سيد المفسرين .
وفي آخر أيامه استوحش بالآخرة عن الناس ؛ واستكثر من الانس بالله ؛ فكان يخرج الى مكانه المسمى بعلم بدر ؛ ويتزود بقليل من الثريد المصبوغ بالماء ؛ وفي الليل يسهر في العبادة ؛ وإذا كان من نصف الليل ؛ أتي له بطعامه الى ساقية المكان ؛ فيتهجد على ما سبق وصفه .
وفي اليوم الخامس من شهر رمضان المعظم من سنة 1290 ه انتقل الى رحمة الله ؛ وكان قد احرم بسنة الوضوء ؛ ووجه نفسه الى القبلة ؛ ثم خرجت روحه الشريفة ؛ رحمه الله رحمة الابرار ؛ وأسكنه دار القرار .